فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

.المسألة الْأُولَى: قوله تعالى: {زَحْفًا}:

يَعْنِي مُتَدَانِينَ، وَالتَّزَاحُفُ هُوَ التَّدَانِي وَالتَّقَارُبُ، يَقُول: إذَا تَدَانَيْتُمْ وَتَعَايَنْتُمْ فَلَا تَفِرُّوا عَنْهُمْ، وَلَا تُعْطُوهُمْ أَدْبَارَكُمْ، حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حِينَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ الْجِهَادَ، وَقَتْلَ الْكُفَّارِ؛ لِعِنَادِهِمْ لِدِينِ اللَّهِ، وَإِبَايَتِهِمْ عَنْ قَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.
فَأَمَّا الْمِقْدَارُ الَّذِي يَكُونُ هَذَا مَعَهُ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

.المسألة الثَّانِيَةُ: [هَلْ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ مَخْصُوصٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ أَمْ عَامٌّ فِي الزُّحُوفِ كُلِّهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟]:

اخْتَلَفَ النَّاسُ: هَلْ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ مَخْصُوصٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ أَمْ عَامٌّ فِي الزُّحُوفِ كُلِّهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ؛ وَبِهِ قَالَ نَافِعٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَالضَّحَّاكُ.
وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْآيَةَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا شَذَّ مَنْ شَذَّ بِخُصُوصِ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} فَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى يَوْمِ بَدْرٍ، وَلَيْسَ بِهِ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى يَوْمِ الزَّحْفِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الْقِتَالِ وَانْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَذَهَابِ الْيَوْمِ بِمَا فِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْكَبَائِرَ كَذَا.
وَعِنْدَ الْفِرَارِ يَوْمَ الزَّحْفِ.
وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَيُبَيِّنُ الْحُكْمَ، وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى النُّكْتَةِ الَّتِي وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِيهَا لِمَنْ وَقَعَ بِاخْتِصَاصِهِ بِيَوْمِ بَدْرٍ.

.المسألة الثَّالِثَةُ: [عدم جواز الفرار عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر]:

أَمَّا يَوْمُ بَدْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يُسْلِمُوهُ لِأَعْدَائِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ عَلَى الْأَرْضِ عَيْنٌ تُطْرَفُ.
وَأَمَّا سَائِرُ الْجُيُوشِ وَأَيَّامُ الْقِتَالِ فَلَهَا أَحْكَامٌ تُسْتَقْصَى فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}، يعني ظهره منهزمًا يومئذ، يعني يوم حربهم.
وقال الكلبي: يعني يوم بدر خاصة؛ {إِلاَّ مُتَحَرّفًا لّقِتَالٍ}، يعني مستطردًا للكرة يريد الكرة للقتال؛ {أَوْ مُتَحَيّزًا إلى فِئَةٍ}، يعني ينحاز من فئة إلى فئة من أصحابه يمنعونه عن العدو.
قال أهل اللغة تحوَّزت وتحيَّزت أي انضممت إليه، ومعناه إذا كان منفردًا فينحاز ليكون مع المقاتلة، {فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مّنَ الله} وفي الآية تقديم، يعني ومن يولهم يومئذ دبره، فقد باء بغضب من الله، أي استوجب الغضب من الله.
{وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير} إلا منحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة.
وروي عن الحسن أنه قال: كان هذا يوم بدر وغيره.
وعن الضحاك قال: هذا يوم بدر خاصة، لأنه لم يكن لهم فئة ينحازون إليها.
وعن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة قال: نزلت يوم بدر، لأنهم لم ينحازوا إلا إلى المشركين، لم يكن في الأرض مسلمون غيرهم.
وقد قال بعضهم بأن الآية غير منسوخة، لأنه لا يجوز للواحد أن يهرب من الاثنين وأن يهرب من الجماعة؛ وإذا لم يكن معه سلاح جاز له أن يهرب ممن معه سلاح، وإذا لم يكن راميًا جاز له أن يهرب من الرامي.
فإذا كان عدد المسلمين نصف عدد الكفار ومعهم سلاح، لا يجوز لهم أن يهربوا منهم؛ وإذا كان المسلمون اثني عشر ألفًا ومعهم سلاح، لا يجوز أن يهربوا من الكفار وإن كانوا مائة ألف، لأنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أرْبَعُمِائِةٍ، وَخَيْرُ الجُيُوشِ أرْبَعَةُ آلافٍ؛ وَلَنْ يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفًا مِنْ قِلَّةٍ إذَا كَانَتْ كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةً، فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا كَلِمَتَهُمْ وَاحِدَةً وَيُقَاتِلُوهُمْ، حَتَّى يَنْصُرَهُمُ الله تَعَالَى».
والآية نزلت في الذي لا يجوز له الهرب.
وروى سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد، عن أبي المغيث، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ».
قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: «الشِّركُ بِالله، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحَصَنَاتِ». اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}
ظهره وقرأ الحسن ساكنة {إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ} أي متعطّفًا مستطردًا لقتال عدوّه بطلب عورة له تمكنه إصابتها فيكرّ عليه.
{أَوْ مُتَحَيِّزًا} منضمًّا صابرًا {إلى فِئَةٍ} جماعة من المؤمنين يفيئون به بسهم إلى القتال {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ الله وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير} واختلف العلماء في حكم قوله: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} الآية هل هو خاص في أهل بدر أم هو في المؤمنين جميعًا.
فقال أبو سعيد الخدري: إنّما كان ذلك يوم بدر خاصة لم يكن لهم أن ينحازوا ولو انحازوا إلى المشركين، ولم يكن يومئذ في الأرض مسلم غيرهم ولا للمسلمين فيه غير النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمّا بعد ذلك فإنّ المسلمين بعضهم فئة لبعض ممثّلة، قاله الحسن والضحاك وقتادة.
قال يزيد ابن أبي حبيب: أوجب الله لمن فرّ يوم بدر النار.
فقال: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} الآية. فلمّا كان يوم أُحد بعد ذلك قال: {إِنَّمَا استزلهم الشيطان بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا الله عَنْهُمْ} [آل عمران: 155] ثمّ كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين. فقال: {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: 25] {ثُمَّ يَتُوبُ الله مِن بَعْدِ ذلك على مَن يَشَاءُ} [التوبة: 27]. وقال عطاء بن أبي رباح: هذه الآية منسوخة بقوله: {الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ} [الأنفال: 66] الآية فليس لقوم أن يفروا من مثليهم فنسخت تلك الآية إلاّ هذه العدّة.
وقال الكلبي: من قبل اليوم مقبلًا أو مدبرًا فهو شهيد ولكن سبق المقبل المدبر إلى الجنة.
وروي جرير عن منصور عن إبراهيم قال: انهزم رجل من القادسية فأتى المدينة إلى عمر. فقال: يا أمير المؤمنين هلكت فررت من الزحف، فقال عمر رضي الله عنه أنا فئتك.
وقال محمد بن سيرين: لمّا قُتل أبو عبيد جاء الخبر إلى عمر رضي الله عنه فقال لو أنحاز إليَّ فكنت له فئة فأنا فئة كل مسلم.
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عمر قال: كنّا في مُصيل بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخاض الناس خيضة فانهزمنا وكنّا نفر، قلنا نهرب في الأرض حياءً ممّا صنعنا فدخلنا البيوت. ثمّ قلنا: يا رسول الله نحن الفارون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل أنتم الكرارون وإنّا فئة المسلمين».
وقال بعضهم: بل حكمنا عام في كل من ولى عن العدو وفيهم مَنْ روى ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أهله: «إياك والفرار من الزحف فإن هلكوا فاثبتوا فما... إلاّ على إرتكاب الكبائر وإلاّ الشرك بالله والفرار من الزحف لأن الله تعالى يقول: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}» الآية. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَومَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ}.
أي صار بالمكان الذي يحق عليه غضب الله، مأخوذ من المبوأ وهو المكان.
ومذهب الشافعي وأصحابه وموافقيه أن هذا على العموم، محكوم به في كل مسلم لاقى عدوًا، وبه قال عبد الله بن عباس.
وحكي عن الحسن، وقتادة، والضحاك: أن ذلك خاص في أهل بدر، وبه قال أبو حنيفة. اهـ.

.قال ابن عطية:

قرأ الجمهور {دبُره} بضم الباء، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {دبْره} بسكون الباء، واختلف المتأولون في المشار إليه بقوله: {يومئذ} فقالت فرقة الإشارة إلى يوم بدر وما وليه، وفي ذلك اليوم وقع الوعيد بالغضب على من فر، ونسخ بعد ذلك حكم الآية بآية الضعف، وبقي الفرار من الزحف ليس بكبيرة وقد فر الناس يوم أحد فعفا الله عنهم، وقال فيهم يوم حنين:
{ثم وليتم مدبرين} [التوبة: 25] ولم يقع على ذلك تعنيف.
قال القاضي أبو محمد: وقال الجمهور من الأمة: الإشارة ب {يومئذ} إلى يوم اللقاء الذي يتضمنه قوله: {إذا لقيتم} وحكم الآية باق لى يوم القيامة بشرط الضعف الذي بينه الله تعالى في آية أخرى، وليس في الآية نسخ، وأما يوم أحد فإنما فر الناس من أكثر من ضعفهم ومع ذلك عنفوا لكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم وفرارهم عنه، وأما يوم حنين فكذلك من فر إنما انكشف أمام الكثرة، ويحتمل أن عفو الله عمن فر يوم أحد كان عفوًا عن كبيرة، و{متحرفًا لقتال} يراد به الذي يرى أن فعله ذلك أنكى للعدو وأعود عليه بالشر ونصبه على الحال، وكذلك نصب متحيز، وأما الاستثناء فهو من المولين الذين يتضمنهم {من}، وقال قوم: الاستثناء هو من أنواع التولي.
قال القاضي أبو محمد: ولو كان ذلك لوجب أن يكون إلا تحرفًا وتحيزًا، والفئة هاهنا الجماعة من الناس الحاضرة للحرب هذا على قول الجمهور في أن الفرار من الزحف كبيرة، وأما على القول الآخر فتكون الفئة المدينة والإمام وجماعة المسلمين حيث كانوا، روي هذا القول عن عمر رضي الله عنه وأنه قال: أنا فئتكم أيها المسلمون.
قال القاضي أبو محمد: وهذا منه على جهة الحيطة على المؤمنين إذ كانوا في ذلك الزمن يثبتون لأضعافهم مرارًا، وفي مسند ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجماعة فرت في سرية من سراياه: «أنا فئة المسلمين» حين قدموا عليه، وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اتقوا السبع الموبقات» وعدد فيها الفرار من الزحف، و{باء} بمعنى نهض متحملًا للثقل المذكور في الكلام غضبًا كان أو نحوه، والغضب من صفات الله عز وجل إذا أخذ بمعنى الإرادة فهي صفات ذات، وإذا أخذ بمعنى إظهار أفعال الغاضب على العبد فهي صفة فعل، وهذا المعنى أشبه بهذه الآية، والمأوى الموضع الذي يأوي إليه الإنسان. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{ومن يولِّهم} يوم حربهم {دبره} إلا أن يتحرف ليقاتل، أو يتحيز إلى فئة، ف {متحرِّفًا} و{متحيِّزًا} منصوبان على الحال.
ويجوز أن يكون نصبهما على الاستثناء؛ فيكون المعنى: إلا رجلًا متحرفًا أو متحيزًا.
وأصل متحيز: مُتْحَيْوِز؛ فأدغمت الياء في الواو.
قوله تعالى: {ومأواه جهنم} أي: مرجعه إليها؛ ولا يدل ذلك على التخليد.
فصل:
اختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال قوم: هذه خاصة في أهل بدر، وهو مروي عن ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، والحسن، وابن جبير، وقتادة، والضحاك.
وقال آخرون: هي على عمومها في كل منهزم؛ وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا.
وقال آخرون: هي على عمومها، غير أنها نسخت بقوله: {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} [الأنفال: 66] فليس للمسلمين أن يفروا من مِثلَيهم، وبه قال عطاء بن أبي رباح.
وروى أبو طالب عن أحمد أنه سئل عن الفراء من الزحف، فقال: لا يفر رجل من رجلين؛ فإن كانوا ثلاثة، فلا بأس.
وقد نُقل نحو هذا عن ابن عباس.
وقال محمد بن الحسن: إذا بلغ الجيش اثني عشر ألفًا، فليس لهم أن يفروا من عدوهم، وإن كثُر عددهم.
ونقل نحو هذا عن مالك؛ ووجهه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما هُزم قوم إذا بلغوا اثني عشر ألفًا من قلة» إذا صبروا وصدقوا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ الله} أي استحق الغضب.
وأصل {باء} رجع.
وقد تقدم.
{وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ} أي مقامه.
وهذا لا يدل على الخلود؛ كما تقدّم في غير موضع.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم غفر له وإن كان قد فرّ من الزحف». اهـ.